يبحث الكثير من الأئمة عن قصص خطبة الجمعة صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان مكتوبة وورد, وذلك حتي يسهل الاقتباس منها, وعبر مصر اليوم نيوز, نعرض لكم تحميل قصص الجمعة القادمة مكتوبة ورد.
بعد اتاحة قصص خطبة الجمعة القادمة.. صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان نعرضها لكم جاهزة للنسخ وكاملة.
قصص خطبة الجمعة القادمة 11 جمادي الآخرة 1446ه – 13 ديسمبر 2024مـ
صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان
القصة الاولي
خلقتني من نار وخلقته من طين
العقل نعمة عظيمة، لكنه قد يصبح لعنة إن أُسيء استخدامه, وربما ليست كل الأفكار بناءة, وقد يكون العقل شيطانا حتي للشيطان نفسه, اذا استعمل عقله من منظوره الضيق, متشربا بآفة الكبرياء والغرور حتي يساق إلى الهلاك وذلك للعموم.
لما أراد الله سبحانه وتعالى أن يخلق آدم -عليه السلام -ليكون خليفة في الأرض، فأخبر ملائكته بذلك، وبدأ في خلقه من طين وسواه بيده ونفخ فيه من روحه, ثم أمر الله الملائكة بالسجود لآدم تعظيمًا لأمر الله وتقديرًا لهذا المخلوق الجديد الذي كرّمه الله بالعلم والنفخة الإلهية.
استجاب الملائكة لأمر الله فورًا وسجدوا جميعًا، إلا إبليس، الذي كان من الجن. رفض السجود بعناد وكبر، وعندما سأله الله عن سبب امتناعه قال: “أنا خير منه، خلقتني من نار وخلقته من طين.”
رأى إبليس أن النار التي خُلق منها أسمى وأعلى من الطين الذي خُلق منه آدم، وبهذا التفكير المتكبر والمقارنة الهشة, رفض الانصياع لأمر الله, فغضب الله على إبليس بسبب تكبره وعصيانه، وطرده من رحمته قائلا: “فاخرج منها فإنك رجيم. وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين.”
وهكذا بدأت عداوة إبليس للبشر، وهي مستمرة حتى يوم القيامة، حيث يسعى بكل جهده لإغوائهم وإبعادهم عن طريق الحق.
***
القصة الثانية
هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ
صناعة العقول الواعية تبدأ من حيث البحث عن الحقائق ونبذ الأوهام, واستخدم العقل والمنطق لإبطال المعتقدات والأفكار الباطلة بالحوار الهادئ والحجة الواضحة، بعيداً عن التقليد الأعمى , والتجرد بحيادية والبراة من كل تفكير أعمي يقوض الوجود العقلي.
كان إبراهيم -عليه السلام- منذ صغره ذا عقلٍ متفتح وقلبٍ مخلص يبحث عن الحق, نشأ في بيئة يعبد أهلها الأصنام والكواكب والنجوم، فكان يرى تناقضات واضحة في عباداتهم, قرر أن يبدأ معهم بحوارٍ عقلاني، فاختار أسلوب التفكير والتدرج لإثبات بطلان معتقداتهم.
ومن خلال المشهد بين إبراهيم -عليه السلام- وبين قومه في من المحاجة العقلية في ابطال معتقدهم لعبادة الكواكب والنجوم باطلة، وأنها لا تصلح للعبادة أبداً، لأنها مخلوقة مُسخرة مُتغيرة، معتمدا علي الأدلة العقلية البحتة، و الأدلة المحسوسة المعقولة في إقامة الحجة عليهم.
قال تعالي: ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
فأعلن عندما رأى أحد الكواكب في الليل قائلا: ﴿ هَذَا رَبِّي ﴾، جرياً على معتقد قومه الذين يعبدون الكواكب، ليصل بهم إلى نقض اعتقادهم، لكن الكوكب أفل وغاب، فقال لهم إبراهيم برفق ولطف: ﴿ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ﴾، لا أحب أن أعبد رباً يظهر ثم يختفي ، فلا يمكن أن يكون هو ربي وخالقي ومدبري.
فلما رأى إبراهيم أن قومه لم يكونوا على درجة كافية من الذكاء حتى يفهموا قصده هذا في المرة الأولى، كرر ذلك مرة أخرى لما بزغ القمر، ﴿ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي ﴾ ، لكن القمر كأي كوكب من الكواكب يظهر ثم يختفي، فلما أفل قال إبراهيم موجها الكلام لقومه بحلم وحكمة: ﴿ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴾ وقومه مرة أخرى لم يستوعبوا قصده.
ويعاود إبراهيم محاولته الأخيرة في إقامة الحجة عليهم، ﴿ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ ﴾ ، فيعلن أن الشمس ربه، لأنها أكبر من الكوكب والقمر, ولكن الشمس أفلت وغابت عند الغروب، وما إن غابت، حتى أعلن إبراهيم براءته من عبادة ما يعبدون, فالكواكب والنجوم، مخلوقات تظهر ثم تختفي، ولا يمكن لها على عظمتها أن تكون رباً، إذ الرب لا يغيب، ولا ينقطع نظره عن مخلوقاته، ولو أنه انقطع طرفة عين لزالت المخلوقات كلها وانمحت جميعها ولم يبق لها أثر.
***
القصة الثالثة
فأت بها من المغرب
حتي عندما يتعمق الجهل والأفكار العفنة, ويصبح لها مريدين, كحال بعض الفرق الضالة اليوم, ذلك الجهل الذي يشتت وعي الإنسان ,يكون الاطاحة بذلك الصنم سهلا ميسورا بحجة بسيطة , فالعقول لا تبني الا علي أساس لها راسخ.
إنه ملك بابل واسمه النمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح , و استمر في ملكه أربعمائة سنة ، وكان قد طغا وبغا وتجبر وعتا ، وآثر الحياة الدنيا ، ولما دعاه إبراهيم الخليل إلى عبادة الله وحده لا شريك له حمله الجهل والضلال وطول الإمهال على إنكار الصانع .
قال الله تعالى” : ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين” .
فحاج إبراهيم الخليل في ذلك وادعى لنفسه الربوبية ، فلما قال له الخليل : ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت, واذا به أتي بالرجلين قد تحتم قتلهما فإذا أمر بقتل أحدهما ، وعفا عن الآخر ، فكأنه قد أحيا هذا وأمات الآخر , ظنا منه بمحدودية عقله أنه بذلك أحيا وأمات.
ثم قال ابراهيم – عليه السلام- “فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ” ,أي هذه الشمس مسخرة كل يوم تطلع من المشرق كما سخرها خالقها ومسيرها وقاهرها ، وهو الله الذي لا إله إلا هو خالق كل شيء ، فإن كنت كما زعمت من أنك الذي تحيي وتميت ، فأت بهذه الشمس من المغرب ، ولم يبق له كلام يجيب الخليل به ، بل انقطع وسكت ؛ ولهذا قال : فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين,وحبسه سبع سنين .
***
القصة الرابعة
أصنع لكم نعامةً أو بعيراً
علي قدر وعى الإنسان , يكون على قدر قوة بناءه, وبعده عن السقوط في الهاوية, حتي يحافظ على كرامته، وعرضه ومكانته بين الناس , ويكون أدعى للإصلاح الذاتي والتحول الإيجابي.
شرب مِقْيَس بن صُبابة السَّهمي الخمرَ في الجاهلية فسكر سكراً شديداً قبيحاً حتى مر ينادي قومه ويخطّ ببوله ويقول: أصنع لكم نعامةً أو بعيراً.
فلما أفاق من سكرته، خُبِّر بما صنع فحرَّمها على نفسه، وقال:
تركت الرَّاح إذا أبصرت رُشدي …
فلست بعائد أبداً لراح
أأشرب شربةً تزري بعِرضي …
وأصبح ضحكةً لذوي الصَّلاح
معاذ الله لا يُودى بعقلي …
ولا أشري الخسارة بالرَّباح
سأترك شربَها وأكفُّ نفسي …
وألهيها بألبانِ اللقاح
***
القصة الخامسة
هلمّ إليَّ ثوبا
الانسان بنيان الرب, وما خلق الله له العقل, الا للمحافظة علي هذا البنيان واثراءه , والوصل معه حيث أمر الله, والعقل الواعي الحكيم قادر على إطفاء النيران الهدامة والصراعات, أما العقل الذي اكتمل حكمة فقادر علي أكثر من ذلك, وهو الدعوة للسلام المجتمعي والشراكة في البناء, والبعد عن الانانية, وما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكمل بناء الكعبة, بل كان يبني معها الانسان نفسه.
عندما اختلفت قبائل قريش حول وضع الحجر الأسود في مكانه بالكعبة، استخدم النبي -صلى الله عليه وسلم الحكمة والعقل ليقترح وضع الحجر على قطعة قماش وطلب من رؤساء القبائل أن يرفعوه معًا، مما أنهى الخلاف وعزز الوحدة بينهم.
اجتمعت قبائل قريش قبل البعثة النبوية بخمس سنوات لتجديد بناء الكعبة بعد تصدع جدرانها, وحدث بينهما خصام حول من سيضع الحجر الأسود في مكانه, وكاد ذلك أن يتسبب في اندلاع نزاع واقتتال بين القبائل.
وفي ذلك الوقت، اقترح أبو أمية بن المغيرة المخزومي أن يحكم في الموضوع أول من يدخل باب المسجد الحرام, فوافقت القبائل على هذا الاقتراح، وانتظروا الشخص الأول الذي سيدخل. وإذا بهم يشاهدون النبي صلى الله عليه وسلم يدخل المسجد، فهتفوا: “هذا الأمين، رضينا، هذا محمد”.
عندما وصل النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم قال: هلمّ إليَّ ثوبا، فأتوه به فوضع الحجر في وسطه ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا؛ ففعلوا، فلما بلغوا به موضعه أخذه بيده الشريفة ووضعه في مكانه أخذ الحجر الأسود بيده الشريفة ووضعه في وسط الكعبة، وهكذا حل النزاع الذي كاد يؤدي إلى اقتتال بين القبائل.
***
القصة السادسة
ما هو بخير من دينهم
الحقيقة هي الضالة المنشودة, وأداتها العقل وأثرها بناء الإنسان, والبحث عن الضالة, تكون برفض اتباع ما ورثه الإنسان من باطل إذا فكر، وأنكر “هذا ما وجدنا عليه اباءنا”, وكل الأديان والأفكار عدوها العقل, الا الاسلام , والذي دعى البشرية كلها لاستعماله وقال لمستجهليه أفلا تعقلون.
يقول ابن عباس- رضى الله عنه : قال: حدَّثني سلمان الفارسي قال: كنت رجلاً من أهل فارس، من أهل أصبهان من قرية يقال لها: (جي)، وكان أبي دهقان أرضه (رئيس القرية)، وكان يحبُّني حبًّا شديدًا، لم يحبَّه شيئًا من ماله ولا ولده، فما زال به حبه إياي حتى حبسني في بيت كما تُحبَس الجارية، واجتهدت في المجوسية، حتى كنت قاطنَ النارِ الذي يُوقِدها ولا يتركها تخبو ساعة، فكنت كذلك لا أعلم من أمر الناس شيئًا إلا ما أنا فيه، حتى بنى أبي بنيانًا له، وكانت له ضيعة فيها بعض العمل، فدعاني فقال: أي بُنَي، إنه قد شغلني ما ترى من بنياني عن ضيعتي هذه، ولا بد من اطلاعها، فانطلق إليها، فمُرْهم بكذا وكذا، ولا تحتبس عني، فإنك إن احتبست عني شغلتني عن كل شيء، فخرجت أريد ضيعته، فمررتُ بكنيسة النصارى، فسمعت أصواتهم فيها، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: هؤلاء النصارى يصلُّون، فدخلت أنظر، فأعجبني ما رأيت من حالهم، فو الله ما زلتُ جالسًا عندهم حتى غربت الشمس.
وبعث أبي في طلبي في كل وجه حتى جئته حين أمسيت، ولم أذهب إلى ضيعتِه، فقال أبي: أين كنت؟ ألم أكن قلت لك: لا تحتبس عني؟ فقلت: يا أبتاه! مررتُ بناس يقال لهم: النصارى، فأعجبني صلاتهم ودعاؤهم فجلست أنظر كيف يفعلون,فقال: أي بني، دينك ودين آبائك خير من دينِهم.
فقلت: لا والله، ما هو بخير من دينهم، هؤلاء قوم يعبدون الله، ويدعونه ويصلُّون له، ونحن إنما نعبد نارًا نُوقِدها بأيدينا، إذا تركناها ماتت، فخافني، فجعل في رِجْلي حديدًا، وحبسني في بيتٍ عنده، فبعثت إلى النصارى، فقلت لهم: أين أصل هذا الدين الذي أراكم عليه؟ فقالوا: بالشام، فقلت: فإذا قدِم عليكم من هناك ناسٌ فآذنوني، فقالوا: نفعل، فقدم عليهم ناس من تجَّارهم، فبعثوا إليَّ أنه قد قدِم علينا تجار من تجَّارنا، فبعثت إليهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الخروج فآذنوني، فقالوا: نفعل، فلما قضوا حوائجهم وأرادوا الرحيل، بعثوا إليَّ بذلك، فطرحت الحديد الذي في رجلي، ولحقت بهم.
فانطلقت معهم حتى قدِمت الشام، فلما قدِمتُها سألتُ: مَن أفضل أهل هذا الدين؟ فقالوا: الأسقف صاحب الكنيسة، فجئتُه، فقلت له: إني أحببت أن أكون معك في كنيستك، وأعبد الله فيها معك، وأتعلَّم منك الخير، قال: فكن معي، قال: فكنت معه، وكان رجل سوءٍ كان يأمرهم بالصدقة، ويرغبهم فيها، فإذا جمعها إليه اكتَنَزها ولم يُعطِها المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب ووَرِقٍ، فأبغضتُه بغضًا شديدًا لما رأيت من حاله، فلم ينشبْ أن مات، فلما جاؤوا ليدفنوه، قلتُ لهم: إن هذا رجل سوءٍ، وكان يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها، حتى إذا جمعتموها إليه، اكتنزها ولم يُعطِها المساكين، فقالوا: وما علامة ذلك؟ فقلت: أنا أخرج لكم كنزها، فقالوا: فهاتِه، فأخرجت لهم سبع قلال مملوءة ذهبًا ووَرِقًا، فلما رأَوا ذلك، قالوا: والله لا يدفن أبدًا، فصَلَبوه على خشبة ورَمَوه بالحجارة، وجاؤوا برَجُل آخر فجعَلوه مكانه.
فلا والله – يا بن عباس – ما رأيتُ رجلاً قط لا يصلي الخمس، أرى أنه أفضل منه وأشد اجتهادًا ولا زهادة في الدنيا، ولا أدأب ليلاً ونهارًا منه، ما أعلمني أحببتُ شيئًا قط قبله حبه، فلم أزل معه حتى حضرتْه الوفاةُ، فقلت: يا فلان، قد حضرك ما ترى من أمر الله، وإني واللهِ ما أحببتُ شيئًا قط حبك، فماذا تأمرني؟ وإلى مَن توصيني؟ فقال لي: أي بُنَي، والله ما أعلمه إلا رجلاً بالموصل فأتِه، فإنك ستجده على مثل حالي، فلما مات وغيِّب لحقت بالموصل فأتيتُ صاحبها، فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد والزهادة في الدنيا، فقلت له: إن فلانًا أوصى بي إليك أن آتيَك وأكون معك، قال: فأقم أي بُنَي، فأقمتُ عنده على مثل أمر صاحبه حتى حضرته الوفاة، فقلت له: إن فلانًا أوصى بي إليك وقد حضرك من أمرِ الله ما ترى، فإلى مَن توصيني؟ قال: والله ما أعلمه أي بني، إلا رجلاً بنَصيبينَ، وهو على مثل ما نحن عليه، فالحَقْ به، فلما دفنَّاه لحقت بالآخر، فقلت له: يا فلان، إن فلانًا أوصى بي إلى فلان، وفلان أوصى بي إليك، قال: فأقم يا بُنَي.
فأقمتُ عنده على مثل حالهم حتى حضرتْه الوفاة، فقلت له: يا فلان، إنه قد حضرك من أمر الله ما ترى، وقد كان فلان أوصى بي إلى فلان، وأوصى بي فلان إلى فلان، وأوصى بي فلان إليك، فقال: أي بني، والله ما أعلم أحدًا على مثل ما نحن عليه إلا رجلاً بعمورية من أرض الروم، فأتِه، فإنك ستجده على مثل ما كنا عليه، فلما واريته خرجتُ حتى قدمت على صاحب عمورية، فوجدته على مثل حالهم، فأقمت عنده واكتسبت حتى كانت لي غنيمة وبقرات، ثم حضرته الوفاة، فقلت: يا فلان إن فلانًا (كان) أوصى بي إلى فلان، وفلان إلى فلان، وفلان إليك، وقد حضرك ما ترى من أمر الله (تعالى) فإلى مَن توصيني؟ قال: أي بني، والله ما أعلمه بقي أحد على مثل ما كنا عليه، آمرُك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نَبِيٍّ يبعث من الحرم، مهاجرُه بين حرَّتينِ إلى أرض سَبِخة ذات نخيلٍ، وإن فيه علامات لا تخفى، بين كتفيه خاتم النبوة، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فإن استطعت أن تخلصَ إلى تلك البلاد فافعل، فإنه قد أظلك زمانه، فلما واريناه، أقمت حتى مرَّ بي رجال من تجار العرب من كلب، فقلت لهم: تحملونني معكم إلى أرض العرب، وأعطيكم غنيمتي هذه وبقراتي؟ قالوا: نعم، فأعطيتهم إيَّاها وحملوني، حتى إذا جاؤوا بي وادي القرى، ظلموني فباعوني عبدًا من رجلٍ من يهود بوادي القرى، فوالله، لقد رأيت النخل وطمعت أن يكون البلد الذي نعت لي صاحبي، وما حقت عندي حتى قدم رجل من بني قريظة من وادي القرى، فابتاعني من صاحبي الذي كنت عنده، فخرج بي حتى قدِم بي المدينة، فوالله، ما هو إلا أن رأيتُها فعرفت نعتها، فأقمت في رقٍّ مع صاحبي، وبعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم بمكة، لا يذكر لي شيء من أمره، مع ما أنا فيه من الرق.
حتى قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قُباء، وأنا أعمل لصاحبي في نخلة له، فو الله إني لفيها إذ جاء ابن عمٍّ له فقال: يا فلان، قاتل الله بني قيلة، والله إنهم الآن لفي قُباء مجتمعون على رجل جاء من مكة، يزعمون أنه نبي، فوالله ما هو إلا أن سمعتُها، فأخذتني العرواء (يقول: الرعدة)، حتى ظننت لأسقطن على صاحبي، ونزلت أقول: ما هذا الخبر؟ ما هو؟ فرفع مولاي يدَه، فلكمني لكمة شديدة، وقال: ما لك ولهذا؟ أقبل قبل عملك، فقلت: لا شيء، إنما سمعت خبرًا فأحببتُ أن أعلمه، فلمَّا أمسيتُ، وكان عندي شيء من طعام، فحملته وذهبت به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم -وهو بقُباء، فقلت: إنه قد بلغني أنك رجل صالح، وأن معك أصحابًا لك غرباء، وقد كان عندي شيء للصدقة، فرأيتُكم أحقَّ مَن بهذه البلاد به، فها هو ذا فكُلْ منه.
فأمسك رسول الله -صلى الله عليه وسلم بيده، وقال لأصحابه: ((كُلُوا)) ولم يأكل، فقلت في نفسي: هذه خلة مما وصف لي صاحبي، ثم رجعت، وتحوَّل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، فجمعت شيئًا كان عندي، ثم جئته به، فقلت: إني قد رأيتُك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية وكرامة ليست بالصدقة، فأكل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأكل أصحابه، فقلت: هذه خلتان، ثم جئتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتبع جنازة وعليَّ شملتان لي، وهو في أصحابه، فاستدرت به لأنظر إلى الخاتم في ظهره، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدبرته عرَف أني أستثبتُ شيئًا قد وُصف لي، فوضع رداءه عن ظهرِه، فنظرت إلى الخاتم بين كتفَيه كما وصف لي صاحبي فأكببتُ عليه أقبِّله وأبكي، فقال: ((تحول يا سلمان هكذا))، فتحولت فجلست بين يديه، وأحب أن يسمع أصحابه حديثي عنه، فحدثته يا بن عباس كما حدثتك.
***
القصة السابعة
تعليم عشرة من المسلمين
صناعة العقول تبدأ بالعلم، والأمة القوية هي الأمة المتعلمة أمة اقرأ, ولله در القائل بالعلم يبني الناس ملكهم , لم يبنى ملك علي جهل واقلال, وهذا الموقف السباق من معلم البشرية, يظهر كيف يمكن لتوجيه العقول نحو المعرفة أن يسهم في بناء أمة قوية ومتعلمة.
بعد انتصار المسلمين في غزوة بدر، أسر المسلمون عددًا كبيرًا من المشركين. كان النبي -صلى الله عليه وسلم- حريصًا على التعامل معهم بحكمة وعدل، وكان من بين الأسرى من يجيدون القراءة والكتابة، وهي مهارة نادرة في ذلك الوقت.
وتشاور النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه حول مصير الأسرى، فاقترح البعض قتلهم، بينما اقترح آخرون فداءهم, ومال النبي -صلى الله عليه وسلم- الي الفداء كخيار رئيسي، لكن الفداء لم يكن بالمال فقط رغم حاجة المسلمين الي ذلك, ولكن الأهم من ذلك هو التعليم و بناء الأمة وصناعة العقول، فقرر استغلال مهارة القراءة والكتابة لدى بعض الأسرى.
عرض النبي -صلى الله عليه وسلم- على الأسرى الذين يجيدون القراءة والكتابة أن يُفرج عنهم بشرط تعليم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة. وافق الأسرى، وبدأوا بتعليم المسلمين، وكان هذا القرار خطوة رائدة في تعزيز التعليم ونشر المعرفة في المجتمع الإسلامي الناشئ.
أدى هذا القرار إلى زيادة عدد المتعلمين في المجتمع الإسلامي، مما ساهم في تقدم الأمة فكريًا, وتحويل المواهب لخدمة الإسلام: بدلاً من معاقبة الأسرى فقط، وإظهار الرحمة والإنسانية.
***
القصة الثامنة
لا ينكسفان لموت أحد
صناعة العقول بتصحيح المعتقدات الخاطئة وتوجيه الناس نحو العلم والفهم الصحيح, والتنصل من الأوهام, فما بني علي وهم فهو واهن, ورسالة الي البشرية, تُعلمنا أهمية تصحيح المفاهيم لبناء عقول واعية قادرة على التفريق بين الحق والباطل.
الشمس والقمر آيتان عظيمتان من آيات الله سبحانه، وجريانهما وتعاقبهما يدل على دقة الخالق وإحكام صنعته، ولما كان يقع لهما الخسوف والكسوف وسبب علمي لتلك الظاهرة, نادي بها النبي صلي الله عليه وسلم, حين أن بعدها بقرون في أوربا كانوا يظنون بجهلهم أن الغول ابتلع الشمس.
بقول المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن الشمس قد كسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم ابن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال الناس: «كسفت الشمس لموت إبراهيم»؛ ظنا منهم أن هذا الأمر لا يحدث إلا لموت عظيم، فصحح النبي صلى الله عليه وسلم لهم هذا الفهم الخطأ، وإبطال ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثير الكواكب في الأقدار فقال: «إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته»، ثم أمرهم بما ينبغي لهم أن يفعلوه عند رؤية ذلك، فقال: «فإذا رأيتم فصلوا، وادعوا الله وتضرعوا له حتى ينجلي هذا الكسوف.
***
القصة التاسعة
أتحبه لأمك؟
قد يكون العقل شيطان لصاحبه, حال ابليس, وقد يكون العقل ملاك لصاحبه, وتأثير العقل يكون عن طريق العقل, كما تقرع الحجة بالحجة, هذا النهج في التعامل مع الأفكار المغلوطة يبين أن بناء الإنسان يبدأ بتوجيه العقل للحكمة والموعظة الحسنة، لخلق وعي داخلي يؤثر على السلوك.
فها هو فتي شابا جاء الي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: ادنه , فدنا منه قريبا فجلس، قال: أتحبه لأمك؟، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟، قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم ، قال: أفتحبه لخالتك، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم.
قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه ، فلم يكن بعد – ذلك الفتى – يلتفت إلى شيء.
***
القصة العاشرة
حصل لي أمر عجيب
الشبهة أوهن من بيت العنكبوت, بل أن بيت العنكبوت يقوي بكثرة خيوطه, أما كثرة الشبهات فما يزيدها الا وهنا على وهنها, ولا يتطلب ضحد الحجج الواهنة الا حجة بسيطة, ليميز الخبيث من الطيب.
جاء دهرياً (الذي لا يؤمن بوجود خالق) الى هارون الرشيد ، وقال : يا امير المؤمنين قد اتفق علماء عصرك على ان للعالم صانعاً, وإني اريد أن اناظرهم بالأدلة والبراهين ، وأثبت انه ليس للعالم صانع ولا خالق.
فأرسل هارون الرشيد الى ابي حنيفة ، وقال له : اعلم انه قد جاء الينا دهري ، وهو يدّعي نفي الصانع ، ويدعوك الى المناظرة ، فقال ابو حنيفة . أذهب بعد الظهر.
فجاء رسول الخليفة وأخبره بما قال ابو حنيفة, فأرسل اليه مرة أخري ، فقام ابو حنيفة وأتى هارون الرشيد ، فاستقبله هارون ، وأجلسه في صدر المجلس ، وقد اجتمع الأكابر والأعيان, وقد تأخر الإمام ابو حنيفة لحضور المناظرة عن قصد.
ولما حضر ابو حنيفة للمناظرة, قال له الدهري : يا أبا حنيفة لِمَ أبطأت في مجيئك؟؛ فقال ابو حنيفة :
قد حصل لي أمر عجيب ، فلذلك أبطأت, وحكي الامام عن سر تأخره فقال: أن بيتي وراء نهر دجلة، فخرجت من منزلي وجئت الى جنب دجلة حتى اعبرها ، فرأيت بجنب دجلة سفينة عتيقة محطمة قد تفكّكت ألواحها . فلما وقع بصري عليها اضطربت الألواح وتحرّكت واجتمعت ، وتوصّل بعضها ببعض وصارت سفينة صحيحة كما كانت ، بلا نجار ولا عمل عامل, فقعدت عليها وعبرت الماء وجئت ها هنا.
فقال الدهري : اسمعوا ايها الاعيان ما يقول امامكم وافضل زمانكم, فهل سمعتم كلاماً أكذب من هذا؟ كيف تصير السفينة المكسورة صحيحة بلا عمل نجار؟ فهذا كذب محض قد ظهر من افضل علمائكم.
فقال ابو حنيفة : أيها الكافر المطلق ، اذا لم تحصل السفينة بلا صانع ولا نجار، فكيف يجوز ان يحصل هذا العالم كلّه من غير مبدعٍ ولا صانعٍ؟ فعند ذلك أمر الرشيد بضرب عنق الدهري فقتلوه.
***
اللهم إنا تبرأنا من كل حول الا حولك, وتبرأنا من كل قوة الا قوتك, وتبرأنا من كل عزة الا عزتك , وتبرأنا من كل نصرة الا نصرتك, اللهم بحولك وقوتك وعزتك ونصرتك إلا نصرت أخوانا لنا في فلسطين مستضعفين مخذولين, أجعل اللهم ثأرهم علي عدوهم ومن ظلمهم ومن خذلهم, أنزل الثبات عليهم وتحتهم, وسخر جنودك لهم, وأرنا عجائب قدرتك في عدوهم, وعارا يلحق بهم, يري من سبعين الف سنة وعيدا لما قبلها وأدبا لما بعدها. وأحفظ علينا مصرنا الحبيبة الغالية آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان, واحفظ علينا ديننا من الشبهات والشهوات.