«انشقاق قاريّ».. هل يُهدّد ميلاد محيط جديد نهر النيل؟

تُظهر دراسة جيولوجية حديثة ثورةً في فهمنا لتكوين قارة أفريقيا، وكيف يُشكّل هذا التكوين مستقبل نهر النيل العظيم. فقد كشفت هذه الدراسة عن عملية جيولوجية هائلة تُعيد تشكيل القارة، وتُثير تساؤلاتٍ جوهرية حول مستقبل نهرٍ حَوْلَهُ قامت أعرق الحضارات.

إيقاع من نار في جوف الأرض

تتناثر الشقوق الأرضية في منطقة عفار الإثيوبية، حيث تلتقي ثلاث صفائح تكتونية ضخمة؛ النوبية، والصومالية، والعربية. يشكّل هذا الملتقى نقطة انطلاقٍ لدراما جيولوجية فريدة من نوعها على كوكب الأرض.

يُمكن تشبيه هذه المنطقة بفرنٍ هائل، تنبعث منه حمم بركانية، تُمزّق القشرة الأرضية ببطءٍ ولكن بثبات. وقد استخدم الباحثون تقنياتٍ متطورة لتحليل عينات صخرية، وخرائط جيولوجية، ونماذج حاسوبية، لفهم هذه العملية بدقة. وقد كشفت هذه التحاليل عن اندفاعٍ هائل للصهارة من باطن الأرض، يُشبه تياراً عملاقاً، غير متجانس كيميائياً، ينبض نبضاتٍ من موادٍ مختلفة.

لم يكتفِ الباحثون برصد هذه الظاهرة، بل توصلوا إلى علاقةٍ تفاعلية بين حركة الصفائح التكتونية وتدفق الصهارة. فليس الأمر مجرد اندفاعٍ عشوائي للصهارة، بل هناك رقصةٌ جيولوجيةٌ متبادلة بين القوى الداخلية والخارجية.

وجد الباحثون أن بعض الصدوع تتوسع بسرعة، مما يُسهّل تدفق الصهارة، بينما تُعيق صدوعٌ أخرى هذا التدفق، مُسببةً تراكمها. يُشبه هذا الأمر ما يُعرف بـ”تأثير عنق الزجاجة”. وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إثبات أن حركة القشرة الأرضية تؤثر بشكلٍ مباشر على تدفق الوشاح العميق.

اقرأ أيضاً: «غزو فضائي؟».. جسم غامض يخترق نظامنا الشمسي.. هل يهدد الأرض؟

مصير النيل وقصة الخلق

ينتقل التركيز الآن من أعماق الأرض إلى سطحها، حيث يجري نهر النيل، شريان الحياة في مصر والسودان. فهل يُشكّل هذا الانقسام الجيولوجي تهديداً لمستقبل النهر؟

تُظهر الدراسة أن مصدر نهر النيل الرئيسي، بحيرة تانا، يقع بعيداً عن خط الصدع الرئيسي، مما يُقلل من احتمالية تأثيره المباشر على مجرى النهر. بل إن الدراسة تُشير إلى أن هذا النشاط الجيولوجي هو نفسه القوة التي، على مدى ملايين السنين، رفعت الهضبة الإثيوبية، مُشكّلةً مصدراً طبيعياً للمياه.

أدت هذه الحركات الجيولوجية إلى تكوين الهضبة الإثيوبية التي تُعتبر بمثابة برج مائي طبيعي، وتستقبل الأمطار الموسمية التي تُغذي النيل الأزرق. كما أن هذه الصخور البركانية هي مصدر الطمي الخصب الذي يُخصّب أراضي مصر على مر العصور.

يُلخّص الباحثون بأن القوة التي تُمزّق منطقة القرن الأفريقي هي نفسها القوة التي مهّدت لنشأة النيل الأزرق. وبالتالي، فإن التهديد الحقيقي للنيل يكمن في التغيرات المناخية والتدخلات البشرية. أما عملية انقسام القارة، فتُشير الدراسة إلى أنها قد تستغرق ملايين السنين.

اقرأ أيضاً: «مراقبة دقيقة».. أربعة كويكبات تثير قلق العلماء.. هل تشكل تهديداً للأرض؟

عن أبو سدرة

شاهد أيضاً

«غزو فضائي؟».. جسم غامض يخترق نظامنا الشمسي.. هل يهدد الأرض؟

اخترق جسم فضائي غامض نظامنا الشمسي، مما أثار تساؤلاتٍ حول مصدره وطبيعته، وهل يشكل تهديدًا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *